التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر - ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ولادة امة - بقلم الأديب د. صالح العطوان الحياللي

ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ولادة امة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق - 19-11-2018


في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول الموافق 571 ميلادية ولد محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مثل هذا اليوم الاثنين 12 ربيع الأول من عام 11 هجرية الموافق 20 نيسان سنة 632 ميلادية توفي المصطفى صلوات الله عليه وسلامه، وهذا على أرجح وأشهر الروايات التاريخية وكتب السيرة النبوية.
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النبي الرسول الأميّ العظيم، الهادي للبشرية، مستحق التعظيم والتبجيل والصلوات عليه، لا تكفيه عشرات المجلدات لوصف سيرته العطرة من مولده الى وفاته، مهما بذلنا من الجهد في ذلك، فقد كانت ولادته بشارة خير وهداية وفلاح للبشرية كلها وفخراً لأمة العرب التي شَرّفها الله تعالى باختيارها ليبعث خاتم الرسل وسيد الأنبياء أجمعين من بينها، كما اختار لغتها لتكون لغة أهل الجنة وليكون الكتاب المبين بهذه اللغة المباركة.
ولد الرسول الأعظم في بيت ومن بيت هو أشرف البيوت في قريش، وقد روي الكثير عن منزلة ومكانة جد النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب فهو سيد قريش وشريفهـا، وسادن البيت وحارس الحرم والمدافع عنه والمحافظ على مصالحه، ولأجل ذلك هيّأ الله له القيام بحفر بئر زمزم بعد أن دفنتها جُرْهُم. وكان أول ما بدأ به عبد المطلب حفرها، إنه قال إني لنائم في الحجر، اذ أتاني آتٍ يقصد بالرؤيا ، فقال لي احفر طيبة. قال قلت وما طيبة؟ قال ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه، فجاءني مرة أخرى فقال احفر برة. قال فقلت وما بُرّة؟ قال ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت الى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني فقال احفر المضنونة. قال فقلت وما المضنونة؟ قال ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم، قال قلت وما زمزم؟ قال لا تنزف أبداً ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل.. فلما بُيّن له شأنها ودلّه على موضعها وعرف أنه قد صُدِقَ، غدا ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره، الى الحفر، ووجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين اساف ونائلة. فجاء بالمعول، وقام ليحفر حيث أمر، فقامت اليه قريش حين رأوا جدّه، وقالوا والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما، فقال عبد المطلب لابنه الحارث ذُدْ عنّي حتى أحفر، فو الله لأمضي لما أمِرتُ به. فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر، وكفوا عنه، ثم ان عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحجاج.
إن أعظم نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، بعثه الله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وأوجب على أهل الأرض طاعته، فكان صلى الله عليه وسلم دعوة أبيه ابراهيم حين قال: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم. وكان بشرى أخيه عيسى عليه السلام حين قال: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد. فكان إجابة لدعوة الخليل إبراهيم ومصداقا لبشارة أخيه عيسى عليه السلام فقد جعله الله نورا وسراجا منيرا أنار الله به الأرض بعد ظلمتها وهدى به البشرية بعد حيرتها، فكان النعمة العظمى والمنحة الكبرى التي تفضل الله بها على أهل الأرض.
لقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفيل وبعثه برسالته، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أنزل الله عليه قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
كان قبل الميلاد النبوي يخيم على الأرض الجهل والظلم والفساد والعقدي، والأخلاقي والسياسي، يتحكم الغني بالفقير، ويسيطر القوي على الضعيف، فكان العالم بأسره يرتقب منقذًا للناس من هذه الأوضاع المتردية ليرفع الظلم والطغيان، ويضع الأمور في نصابها، ويعيد للإنسانية كرامتها، ويرفع البشرية من حياة الذل والخضوع للأصنام والبشر إلى الخضوع لله الواحد الأحد، وفي وسط هذه الأجواء الملبَّدة بغيوم الجهل والشرك والوثنية كانت ولادة النبي الكريم العظيم نبينا محمد صلى الله عليه آله وسلم، وذلك في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، ذلك اليتيم الذي لم يكن يخطر ببال أحد أنه سيكون المنقذ للأمة والمؤسس للحضارة، والمعلّم للبشرية، والقائد لركب الإيمان والتوحيد..
في يوم 12 ربيع أول كان العالم على موعد مع العلم والفضيلة والحضارة التي تمثلت بالميلاد الميمون لرسولنا عليه الصلاة والسلام.
ولقد كانت البشرية بأمسّ الحاجة إلى تصحيح الأفكار والمفاهيم، وبناء العقائد وبرمجة الرؤى.
لقد أصبح الميلاد النبوي علامة مضيئة في التاريخ البشري ليس للمسلمين فقط، ولكن للإنسانية كلها.
إن الميلاد النبوي كان ميلاد عقيدة صحيحة والدرس منه تصحيح العقيدة في واقع المسلمين؛ فلقد كان الناس يعبدون البشر، فنقلهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى عبادة الله، فأصبح الإنسان حرًّا من عبودية غير الله، وهذا أعظم تكريم للإنسان، فالمجتمعات كانت على أساس النظام الطبقي ( قَبَلِيّ – نفوذ – مال سادة – عبيد)، فالعبيد يشبهون المتاع يُبَاعون ويُوهبون ويفرّق بين الولد وأمه وأبيه.
الوثنية كانت تضرب أطنابها من خلال عبادة الأصنام والأشجار والأحجار والتقرب إليها.
فدعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله في إلوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته (يا أيها الناس ضُرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يحلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) .
ولذا قال ربعي بن عامر مخاطبًا عظيمًا من عظماء الفرس: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
إن الميلاد النبوي ميلاد العقل المتحرر من التقليد الأعمى، والدرس منه تحرير العقل من الخرافات التي يقلّد فيها الأبناء الآباء تقليدًا أعمى، جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليحرر عقول البشر من الخضوع للخرافات والدجل والارتهان للأصنام.
وكان الجاهليون يعتقدون النفع والضر في الحجار والخشب، فجاء محمد عليه الصلاة والسلام بالدين الذي كرَّم العقل الإنساني، وجعله مناط التكليف، ورفع المؤاخذة عن المجنون والصغير، بل وحث وجازى على إعمال العقل في البحث عن حقائق الكون والعلوم، ونهى عن كل ما يؤثر على العقل من المسكرات وغيرها.
وجاء القرآن يخاطب العقل: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق).
لقد كان ميلاده عليه الصلاة والسلام ميلادًا للتسامح والتعايش بين البشر على اختلاف مللهم، والدرس منه أن يتسامح المسلمون فيما بينهم على اختلاف جماعتهم وأحزابهم، والإسلام راعى غير المسلمين، فنهى عن قتالهم إذا لم يكونوا من المقاتلين، قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
جاء الإسلام باحترام حقوق غير المسلمين، سواء كانوا رعايا للدولة، أو كانوا خارج الدولة، ولم يعلنوا الحرب على الإسلام، فهؤلاء لهم حقوق في ذمة كل مسلم أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، قال عليه الصلاة والسلام: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة» وقال: «اتركوا الترك ما تركوكم».
لقد كان الميلاد النبوي ميلاد رحمة، فأين التراحم فيما بيننا، لقد تجاوزت رحمة الإسلام إلى الحيوان، فنهى أن تُتَّخَذ الطيور والحيوانات غرضًا، وأمر بالإحسان في ذبحها، ونهى عن ضربها بالوجه.
وفي الحديث «دخلت امرأة النار في هرة، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».
إن الميلاد النبوي كان ميلادًا لحماية حقوق الإنسان، والدرس منه من يدافع عن حقوق الإنسان اليوم؟!
لقد دافع النبي عليه الصلاة والسلام عن حقوق الإنسان في خطبة الوداع فقال: «إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم».
ولقد أعلن الإسلام ودافع عن حقوق الإنسان قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، بل حتى لم ينس الدفاع عن حقوق الحيوان النبات والبيئة، قال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». دعا الإسلام إلى المحافظة على النفس الإنسانية، وفيها عدة تشريعات:
تحريم القتل بغير حق، قال الله تعالى: (.. من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا).
وقال عليه الصلاة والسلام: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم».
وقال عليه الصلاة والسلام: «من حمل علينا السلاح فليس منا».
وجاء الإسلام ليحافظ على العقل، فحرَّم الخمر والمخدرات والمسكرات بأنواعها.
وجاء ليحافظ على النسل، فحرّم قتل الأولاد خشية الفقر، قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياكم).
وقال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج".
وجاء ليحافظ على العِرْض، فحرم الزنا، قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وشاء سبيلاً).
ووضع الحدود، فأمر بجلد الزاني غير المحصن، ورمي الزاني المحصن حتى الموت.
إن ميلاده عليه الصلاة والسلام كان ميلادًا لتكريم المرأة، قال عليه الصلاة والسلام في وصيته: «واستوصوا بالنساء خيرًا».
وقال عليه الصلاة والسلام: «النساء شقائق الرجال».
وكفل للمرأة الحق في التربية والتعليم، فكان عليه الصلاة والسلام يجعل للنساء يومًا لتعليمهن أحكام الدين.
وكفل للمرأة أيضًا الحقوق المالية، فجعل لهن نصيبًا من الإرث، وفرض لهن المهر والنفقة، ولها أيضًا حق البيع والشراء حسب الضوابط الشرعية.
إن ميلاده عليه الصلاة والسلام كان ميلادًا للأخلاق الكريمة، فأين أخلاقيات الأمة اليوم، لقد دعا عليه الصلاة والسلام إلى الأخلاق الكريمة، ورغَّب فيها كالصدق والأمانة والعفاف، ودعا إلى وثيق الروابط الاجتماعية، مثل: ير الوالدين وصلة الأرحام، ونهى عن الأخلاق الرذيلة كالكذب والغدر، والحسد والعقوق، ونهى عن الغضب كيف لا وقد وصفه الله بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم).
ميلاده عليه الصلاة والسلام كان ميلاد التوازن بين الروح والجسد، فلا رهبانية في الإسلام، ولا إغراق في الماديات، قال تعالى: (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا).
قال سبحانه: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب الأبصار).
إن ميلاده صلى عليه وآله وسلم ميلاد للأخوة بين أجناس البشر، لقد كان اللون الأبيض هو السيد في الجاهلية، وغيره هو العبد الذي يُبَاع ويشترى، فجاء الإسلام فأوجد الأخوة بين مختلف الأجناس جاء في الحديث: (وكونوا عباد الله إخوانًا).
وقال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة).
وقال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ونحن اليوم في العالم المتحضر لا تزال العنصرية موجودة في دول العالم التي تدعي التحضر، فالأمريكي يحتقر الصيني والروسي والفرنسي يحتقر الروسي والهندي، بل إن مواطنة غير البيض في هذه الدول من الدرجة الثانية.
إن ميلاده عليه الصلاة والسلام كان ميلاد أمة بأكملها، وصدق الله القائل في وصفه عليه الصلاة والسلام: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
لما وُلد الهدى زكت الربا ....... واخضر في البستان كل هشيم
فاللهم صلِّ على نبينا وحبيبنا محمد في الأولين، وصلِّ عليه في الآخرين، وصلِّ عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر- عام ٢٠١٨ يشهداعتقال ١٨٠٠ فلسطيني مقدسي - تقرير ميادة كيلاني عن مركز الأسرى الفلسطيني

أسرى فلسطين/ 1800 حالة اعتقال من القدس خلال العام الماضي أكد مركز أسرى فلسطين للدراسات بأن مدينة القدس تصدرت المدن الفلسطينية في عدد حالات الاعتقال خلال العام الماضي حيث رصد ما يزيد عن (1800) حالة اعتقال، وهى تشكل ثلث نسبة الاعتقالات التي جرت في كل انحاء الأراضي المحتلة خلال عام 2018، والتي بلغت (5700) حالة اعتقال . وأوضح الباحث "رياض الأشقر" الناطق الإعلامي للمركز بان الاعتقالات طالت كافة شرائح المجتمع المقدسي ولم تستثنى النساء، والمرضى، وكبار السن، والأسرى المحررين، والنواب، وقيادات العمل الوطني، حيث بلغت حالات الاعتقال بين النساء (74) بينهن قاصرات، و(450) طفلاً بينهم اطفال لا تتجاوز اعمارهم 12 عام، و (22) من كبار السن تجاوزت أعمارهم 55 عاماً . وبين " الأشقر" بان الاحتلال نفذ حملات اعتقال واسعة لمنع المقدسيين من مواجهة سماسرة الأراضي الذين يبيعون المنازل للمستوطنين، وتوزعت الاعتقالات على كافة قرى وبلدات ومناحي مدينة القدس، حيث احتلت العيسوية النصيب الاكبر من عمليات الاعتقال، ووصلت الى (580) حالة اعتقال، وتلاها منطقة شعفاط ووصلت حالات الاعتقال منها (295) ح...

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر-حبيبتي فلسطين - بقلم الشاعر رشادالقدومي

حبيبتي  فلسطين دعيني اراك كما اشتهي فانت الضياء وانت الهوى دعيني بحلم فلا ينتهي فانت الحياة وانت المنى دعيني اقبل ثغر الحبيب فثغرك بلسم فيه الشفى يا من لروحك وقع غريب لغيرك حبي لا يرتجى دعيني بعطرك اغدوا سعيد وانفاسك العذبه ابغي الهنى فدقات قلبك قالت رويدا ارحم حبيبي فقلبي انطفى تركت بقلبي جرحا عميقا فهل كنت تعلم قدر الجفى نطرتك ليلي اعد النجوم وارقب نجمك حيث اختفى وقد كنت ابكي طوال النهار وانظر دربك اين الوفى لقد عاد قلبي يبغي الوداد وقد قال للبعد عنك كفى حبيبة قلبي بها استنير ومنها تعلمت درس الوفى فلطفا بقلبي انت الحياة وعذرا حبيبي غيابي اختفى كلمات رشاد القدومي

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر- سفرالعطش - بقلم الشاعر نصربخيت

من سفر العطش