يوم أضاع مساءه
قصة بقلم منيرة الصالحي
من تونس
هذا الْيوم طويل جدّا، هكذا أحسّته غالية، مرّ الكثير من الزّمن ولم ينتصف هذا اليوم...
مرّت الكثير من الأحداث ولم يكتف هذا اليوم.
تعبت منه غالية وملّت ركوده فخرجت من نفسها ومن عشيرتها تبحث عن نهاية هذا اليوم، فاتّجهت إلى البحر صحبة كتابها.
الْبحر والْكتاب صديقان لا تملّ صحبتهما، تشتاقهما دائما وتنسى الْملل بصحبتهما.
وصلت غالية فوجدت الرّمال متوهّجة تتراقص حبّاتها فرحا بلقائها، تقبّل قدميها بكلّ شوق وتحضن خطواتها الّتي كانت تطأها بلهفة وتنغمس فيها انغماس ثدي أمّ في فم رضيع جائع.
انسابت غالية بين أحضان الرّمال العذبة واستلقت فوقها تنعم بحرارة اللّقاء وتطفئ قلقا اشتعل فيها منذ هذا الصّباح الْبعيد...
ولم تفق الْبنت إلاّ على لمسات دافئة تهزّها وصوت خشن قادم من بعيد يقول:" استيقظي يا غالية فزمن النّوم قد ولّى... وها أنّ الصّبح قد بان وتجلّى فلا تضيّعي الفرصة، هيّا...
لا تردّدي واستقبلي الفرحة، افتحي عينيك وانتفضي وانزعي عنك كلّ همّ وغمّ، هيّا يا فتاة الكتب أليس هذا ما كنت تنشدين؟"
فتحت غالية العينين وهزّت برفق جمال الرّمشين ورسمت الضّحكة على الشّفتين وانتصبت جالسة وفي نظرتها إشراقة صبح جميل. وجدت أمامها رجلا مغروسا في أديم الأرض معانقا السّماء يرتدي فضافضة ويلفّ حول وجهه لثاما تبرق من خلاله عينان جميلتان وديعتان اشتمّت فيهما رائحة السّكينة لحيرة سكنتها منذ هذا الصّباح.
قال الرّجل وهو يبتسم ابتسامة الوليد في وجه أمّه:"سلام عليك يا غالية وسلام على صباحك الحائر."
نظرت إليه بعين فيها سؤال ورغبة في اكتشاف الأغوار وردّت على الابتسامة بضحكة ساخرة :" من أدراك بحيرة بالي وتيه سؤالي أيّها العابر للسّماء ؟"
قال بلهجة الواثق: "أنا مبعوث لك من السّماء لأبشّرك أنّك النّبيّة المصطفاة، ستكونين رسولة لهذه الرّمال فتهدّئي من غرورها وتمتصّي حريقها، ستكونين بردا وسلاما لمن يلامسها فهذا اليوم طويل ولن يكون له آخر"
لم تفهم كلامه وظلّت ساكنة في حضن الرّمال تنظر إلى حركاته وتقلّب سكناته وهو يقول بكلّ ثقة في النّفس :" أنا لا أمزح معك هيّا لتحلّقي معي فالغيمات متفائلة ولعقلك الرّشيد منتظرة، ستكونين معها في مواجهة هذه الشّمس الحارقة الّتي تئنّ منها كلّ الأفئدة وتصرخ من ظلمها الدّماء في الأوردة. هيّا ولا تتردّدي، لن تندمي على تكسير أشعّة تنخر كبد السّماء، أشعّة تسيل منها الدّموع نارا فتسري في الأجساد حريقا."
أحسّت البنت بنشوة عارمة، نشوة تغمر الزّعماء.
إنّها فقط من ستوقف تدفّق الشّمس وترحم النّفوس من سعيرها، ستكبح جموح هذه الشّمس الّتي تعوّدت الشّروق لتنتظر المغيب...
ستتركها تركض وراء المساء دون أن تدرك ظلّه.
نظرت إلى هذا الملثّم الْحالم المتشبثّث بتلابيب السّماء، حسدته على حاله وقرّرت ركوب كلماته والسّفر معه هناك حيث الغمام المكسوّ بكلّ شيء ممكن، مدّت يدين رقيقتين وقالت بصوت ناعم كماء يجري من نبع عين :" مرحبا بك يا سيّدي، أهذا الذّي كنت تزفّه لي حقيقة؟ أهو منام جميل لتطربني؟ أم خبر يقين تعزفه لي؟ هيّا فسّر الرّؤيا ووضّح الفكرة أيّها الزّائر الكريم"
أشار إليها أن أسكتي وخلفي انطلقي حتّى تعرفي بعض ما خفي عن العين وتدركي القليل ممّا صعب عن الفهم يا فتاة الكتب.
ودون مقاومة كانت ظلّه الذّي سبقه وسارا على صوته الملائكيّ جنبا إلى جنب وتسلّقا أشعّة الشّمس الّتي انفجرت من أعماق البحر.
قصة بقلم منيرة الصالحي
من تونس
هذا الْيوم طويل جدّا، هكذا أحسّته غالية، مرّ الكثير من الزّمن ولم ينتصف هذا اليوم...
مرّت الكثير من الأحداث ولم يكتف هذا اليوم.
تعبت منه غالية وملّت ركوده فخرجت من نفسها ومن عشيرتها تبحث عن نهاية هذا اليوم، فاتّجهت إلى البحر صحبة كتابها.
الْبحر والْكتاب صديقان لا تملّ صحبتهما، تشتاقهما دائما وتنسى الْملل بصحبتهما.
وصلت غالية فوجدت الرّمال متوهّجة تتراقص حبّاتها فرحا بلقائها، تقبّل قدميها بكلّ شوق وتحضن خطواتها الّتي كانت تطأها بلهفة وتنغمس فيها انغماس ثدي أمّ في فم رضيع جائع.
انسابت غالية بين أحضان الرّمال العذبة واستلقت فوقها تنعم بحرارة اللّقاء وتطفئ قلقا اشتعل فيها منذ هذا الصّباح الْبعيد...
ولم تفق الْبنت إلاّ على لمسات دافئة تهزّها وصوت خشن قادم من بعيد يقول:" استيقظي يا غالية فزمن النّوم قد ولّى... وها أنّ الصّبح قد بان وتجلّى فلا تضيّعي الفرصة، هيّا...
لا تردّدي واستقبلي الفرحة، افتحي عينيك وانتفضي وانزعي عنك كلّ همّ وغمّ، هيّا يا فتاة الكتب أليس هذا ما كنت تنشدين؟"
فتحت غالية العينين وهزّت برفق جمال الرّمشين ورسمت الضّحكة على الشّفتين وانتصبت جالسة وفي نظرتها إشراقة صبح جميل. وجدت أمامها رجلا مغروسا في أديم الأرض معانقا السّماء يرتدي فضافضة ويلفّ حول وجهه لثاما تبرق من خلاله عينان جميلتان وديعتان اشتمّت فيهما رائحة السّكينة لحيرة سكنتها منذ هذا الصّباح.
قال الرّجل وهو يبتسم ابتسامة الوليد في وجه أمّه:"سلام عليك يا غالية وسلام على صباحك الحائر."
نظرت إليه بعين فيها سؤال ورغبة في اكتشاف الأغوار وردّت على الابتسامة بضحكة ساخرة :" من أدراك بحيرة بالي وتيه سؤالي أيّها العابر للسّماء ؟"
قال بلهجة الواثق: "أنا مبعوث لك من السّماء لأبشّرك أنّك النّبيّة المصطفاة، ستكونين رسولة لهذه الرّمال فتهدّئي من غرورها وتمتصّي حريقها، ستكونين بردا وسلاما لمن يلامسها فهذا اليوم طويل ولن يكون له آخر"
لم تفهم كلامه وظلّت ساكنة في حضن الرّمال تنظر إلى حركاته وتقلّب سكناته وهو يقول بكلّ ثقة في النّفس :" أنا لا أمزح معك هيّا لتحلّقي معي فالغيمات متفائلة ولعقلك الرّشيد منتظرة، ستكونين معها في مواجهة هذه الشّمس الحارقة الّتي تئنّ منها كلّ الأفئدة وتصرخ من ظلمها الدّماء في الأوردة. هيّا ولا تتردّدي، لن تندمي على تكسير أشعّة تنخر كبد السّماء، أشعّة تسيل منها الدّموع نارا فتسري في الأجساد حريقا."
أحسّت البنت بنشوة عارمة، نشوة تغمر الزّعماء.
إنّها فقط من ستوقف تدفّق الشّمس وترحم النّفوس من سعيرها، ستكبح جموح هذه الشّمس الّتي تعوّدت الشّروق لتنتظر المغيب...
ستتركها تركض وراء المساء دون أن تدرك ظلّه.
نظرت إلى هذا الملثّم الْحالم المتشبثّث بتلابيب السّماء، حسدته على حاله وقرّرت ركوب كلماته والسّفر معه هناك حيث الغمام المكسوّ بكلّ شيء ممكن، مدّت يدين رقيقتين وقالت بصوت ناعم كماء يجري من نبع عين :" مرحبا بك يا سيّدي، أهذا الذّي كنت تزفّه لي حقيقة؟ أهو منام جميل لتطربني؟ أم خبر يقين تعزفه لي؟ هيّا فسّر الرّؤيا ووضّح الفكرة أيّها الزّائر الكريم"
أشار إليها أن أسكتي وخلفي انطلقي حتّى تعرفي بعض ما خفي عن العين وتدركي القليل ممّا صعب عن الفهم يا فتاة الكتب.
ودون مقاومة كانت ظلّه الذّي سبقه وسارا على صوته الملائكيّ جنبا إلى جنب وتسلّقا أشعّة الشّمس الّتي انفجرت من أعماق البحر.
تعليقات
إرسال تعليق