التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر-باباي نوفا- قصة قصيرة بقلم منيرة الصالحي

باباي نوفا

قصة قصيرة لمنيرة الصالحي
من تونس

وقفت منيرة أمام الباب الّذي خرجت منه قبل أن تخرج الشّمس وتسيل على خدّ الأفق دمعة حارقة ، مدّت يدا مرتعشة لتدفع خشبات فرّقتها أشعّة الشّمس...
 تراجعت ...
ماذا ستقول لتلك الأفواه الجائعة الّتي تنتظرها منذ خرجت...؟
 ماذا ستقدّم لتلك الرّضيعة الّتي تركتها تلعق أصابعها...؟
 كيف ستهدّأ جنون الأب الّذي تركته يتشّمم روائح سيجارة يحملها الهواء عبر ثقوب الباب...؟
همّت بالولوج ولكنّها أحسّت أنّها مشلولة الحركة...
 لقد جالت كلّ أرجاء المدينة اليوم... ولم تجد عملا يغنيها عن الخصاصة الّتي وجدت لديهم حسن المقام.
أحسّت بدوار شديد وبرغبة كبيرة في الغثيان، إنّها تريد تقيّأ قسوة هذا الواقع والْفشل الّذي كبر معها.
جلست على العتبة تأمل في حلّ، حلّ ظلّ الطّريق إلى حياتها.
تنهّدت وقالت بعد أن أعيتها السّبل وضاقت بها كلّ الأماكن والحيل:" ما هذا اليوم التّعيس الّذي يتكرّر مع كلّ مطلع شمس؟ "
لا شغل لدينا يا آنسة !
لا مكان لدينا لغير أصحاب الشّهادات العليا !
لا يمكن أن نشغّلك إلاّ إذا كنت جريئة فالكباريهات لا تقبل المتمسّكات بالحياء !
لا يمكن أن نقبلك إلاّ إذا نزعت ما تدثّرت به من عادات!
لا..................
لا.................................
لا.....................................
كلمة " لا" أصبحت كالموت تهدّد حياتها في كلّ لحظة لقد أصمّت أذنيها وكسّرت كلّ آمالها وجعلتها تجرّ أذيال خيبة كبيرة، خيبة حطّت أمام منزلهم وأحرقت حقائبها .
ماذا ستقول لهؤلاء المكدّسين في الدّاخل الّذين ينتظرون نقرة واحدة ليهرعوا فاتحين للأمل الباب...
آه يا رب ! ماذا ستقول لهم عندما يسألونها عن لقمة تسدّ رمقهم؟ .....
آه ماذا ستجيب المنتظر للعبة مكسورة يسلّي بها نفسه؟....
آه يا ويل منيرة من دمعة عالقة بمقلتي أختها الصّغرى !.....
ستقرع الباب ويقول والدها المكدّس خلفه منذ ماتت أمّها : "من الطّارق...؟"
ستقول له بصوت بائس خال من كلّ أمل:" أنا اليأس عدت كوحش كاسر جائع سألتهم صبركم وأدمّر بقيّة أملكم  ... إنّي أخاف هذا الوحش يا أبي فدثّرني بك من مخالبه...".
 ويجيب أبوها:" ...وأنا أيضا أخاف هذا الوحش المكشّر عن أنيابه يا ابنتي... يا قطعة من كبيدي، سامحيني يا قرّة العين... تركتك بمفردك للرّياح تقهر حلمك وأنت تقودين المركب وتواجهين الأمواج العاتية وشراعك رقيق وهشّ... يا خوفي عليك من الأمواج العاتية ..."
 ستقول له:" لا عليك يا أبتي، فداك كلّ شيء... يكفيك ما قاسيته من فراق أمّنا وما ألمّ بك من مرض سأكون عقلك المفكّر وفرحتك الّتي سأرسمها في عيون إخوتي "
 سيخاف أبوك من الوحش المترصّد بعائلته ويخشى تسرّبه إلى منزله وسيطلب منك أمارة بأنّك ستدخلين عليه ببشارة.
 ستقولين :" الأمارة أنّي سأنقر الباب ثلاثا دلالة على زوال السّؤال وانفراج الحال وتحقيق الآمال فانتبه إلى دقّاتي وتثبّت من إشاراتي قبل أن تفتح الباب وتردّ الجواب"
ماذا ستفعلين الآن وكم ستنقرين الباب من نقرة ؟....
ماذا ستفعلين وقد وعدت الأب العاجز بأن تكوني أمله الضّائع؟....
ماذا...؟
 ستنقرين نقرتين فقط؟...
أكيد سينتظرون الثّالثة...
ماذا ستفعلين في النّقرة الثّالثة...؟
من أين ستأتيها القوّة لتنقر الباب ؟...
حتّى  ولو واحدة.... !
ماذا...؟ ستنقر نقرة واحدة...؟
وإذا لم تنقر الباب...؟
سيبقون على أمل سماع النّقرات الثّلاث ....
 والعيش على الأمل خير بكثير من الموت يأسا ....
الحياة ... ! وما أدراك ما الحياة... !
سأتركهم ينتظرون ولن أطرق هذا الباب أبدا إلاّ إذا كنت متأكّدة أنّي سأنقره ثلاثا.... !
تبّا لذلك الحلواني الّذي أغراني بورعه وتقواه وفتح في وجهي أبواب الجنّة لقد وعدني بأن يشغّلني عنده .
ذهبت إليه من الغد فرأيت منه كلّ منكر... لقد كان هدفه جسدي الفارع. وجدت فتاة أخرى سالته عن سبب تراجعه في وعده فقال :"هي ابنة صديق وقد قصدني وهو في شديد الضّيق هل تريدين أن أطردها حتّى يخلو لك  المكان ألا تخافين الله يا فتاة ؟...لا إله إلاّ الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله "
أعرف أنه يكذب فذهبت وأنا أتمتم:" أنا ابنة الضّيق رُمي بكرامتي على قارعة الطّريق لتدوسها أرجل أمثال هذا الزّنديق".
 يا ربّ أريد أن أنقر على بابنا نقرات ثلاث... !
اقتربت منيرة من الباب فكانت أصوات المكدّسين خلفه تأتيها من شقوقه واضحة:
لماذا تأخّرت أختنا؟
هل أصابها مكروه لا قدّر اللّه؟
أكيد وجدت عملا مهمّا يستدعي كثيرا من الوقت....
يا فرحتي إذا هي ستعود بكثير من المال....
وستكون دميتي في يدي بعد النّقرة الثّالثة ....
وسيكون بطني الخاوي ممتلئا بمجرّد وصولها....
أيه يا ابنتي ... ! ترى ماذا فعلت بك الأيادي الدّامية؟...
الخوف يمزّق قلبي وأنا أرى العيون تتشهّاك ....
تحاول رسم ضحكة باهتة على شفتيها وجسمها من الوجع يتفتّت تحت الثّوب البالي، هذا الثّوب الّذي وعدتها صاحبة المقهى بتعويضه بأحلى الأثواب لو طاوعتها وأخضعت هذا الجمال لكلّ راكع متعبّد.
يدها ترتفع لتنقر الباب والقلب يرتعش ....
لن تنقر ثلاث نقرات ولن يفتح الباب ....
ستظلّ جالسة على عتبته حتّى يأتيها الله مخرجا...
 أو ربّما تحدث المعجزة... !
معجزة...؟
أفيقي يا منيرة من هذا الخيال ...فنحن في زمن يجعل الفرد يفقد فيه أمانيه الْواحدة تلو الْأخرى...
ستنام هناك ....فهو أأمن مكان لمثيلاتها وستحضن عائلتها من ثقوب الباب ...
أو ربّما ... ولما لا...؟
ستغنّي لأبيها وسيردّ عليها باكيا  :
    اوه باباي نوفا ......

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر- عام ٢٠١٨ يشهداعتقال ١٨٠٠ فلسطيني مقدسي - تقرير ميادة كيلاني عن مركز الأسرى الفلسطيني

أسرى فلسطين/ 1800 حالة اعتقال من القدس خلال العام الماضي أكد مركز أسرى فلسطين للدراسات بأن مدينة القدس تصدرت المدن الفلسطينية في عدد حالات الاعتقال خلال العام الماضي حيث رصد ما يزيد عن (1800) حالة اعتقال، وهى تشكل ثلث نسبة الاعتقالات التي جرت في كل انحاء الأراضي المحتلة خلال عام 2018، والتي بلغت (5700) حالة اعتقال . وأوضح الباحث "رياض الأشقر" الناطق الإعلامي للمركز بان الاعتقالات طالت كافة شرائح المجتمع المقدسي ولم تستثنى النساء، والمرضى، وكبار السن، والأسرى المحررين، والنواب، وقيادات العمل الوطني، حيث بلغت حالات الاعتقال بين النساء (74) بينهن قاصرات، و(450) طفلاً بينهم اطفال لا تتجاوز اعمارهم 12 عام، و (22) من كبار السن تجاوزت أعمارهم 55 عاماً . وبين " الأشقر" بان الاحتلال نفذ حملات اعتقال واسعة لمنع المقدسيين من مواجهة سماسرة الأراضي الذين يبيعون المنازل للمستوطنين، وتوزعت الاعتقالات على كافة قرى وبلدات ومناحي مدينة القدس، حيث احتلت العيسوية النصيب الاكبر من عمليات الاعتقال، ووصلت الى (580) حالة اعتقال، وتلاها منطقة شعفاط ووصلت حالات الاعتقال منها (295) ح...

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر-حبيبتي فلسطين - بقلم الشاعر رشادالقدومي

حبيبتي  فلسطين دعيني اراك كما اشتهي فانت الضياء وانت الهوى دعيني بحلم فلا ينتهي فانت الحياة وانت المنى دعيني اقبل ثغر الحبيب فثغرك بلسم فيه الشفى يا من لروحك وقع غريب لغيرك حبي لا يرتجى دعيني بعطرك اغدوا سعيد وانفاسك العذبه ابغي الهنى فدقات قلبك قالت رويدا ارحم حبيبي فقلبي انطفى تركت بقلبي جرحا عميقا فهل كنت تعلم قدر الجفى نطرتك ليلي اعد النجوم وارقب نجمك حيث اختفى وقد كنت ابكي طوال النهار وانظر دربك اين الوفى لقد عاد قلبي يبغي الوداد وقد قال للبعد عنك كفى حبيبة قلبي بها استنير ومنها تعلمت درس الوفى فلطفا بقلبي انت الحياة وعذرا حبيبي غيابي اختفى كلمات رشاد القدومي

جريدة صوت فلسطين والقدس للأدب والشعر- سفرالعطش - بقلم الشاعر نصربخيت

من سفر العطش